رئيس الأمانة الفنية لتقنية المعلومات salim@itec.gov.om
مقدمة
أدى انتشار استخدام تقنية المعلومات والاتصالات إلى إحداث تغيير في الهياكل الإدارية وأساليب العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة. ومنذ منتصف الثمانينات استخدمت المؤسسات تقنية المعلومات والاتصالات جنباَ الى جنب مع إعادة هندسة الاعمال كوسيلة لإصلاح العمل الإداري بما في ذلك التخلص من البيروقراطية وزيادة التنسيق والتكامل بين المؤسسات وتقديم الخدمات بطرق أسهل من حيث المكان والزمان وأدى ذلك بدوره إلى تقليل المصاريف المترتبة على إنجاز الأعمال وتقديم الخدمات وكسب ثقة المتعاملين في هذه المؤسسات. واعتمدت المؤسسات الحكومية والخاصة بشتى أحجامها على إعادة هندسة الاعمال والتقنية كركن أساسي في التغييرات الإدارية وأدى ذلك إلى تغيير آلية اتخاذ القرار بالتخلص من بعض الطبقات الإدارية والذي بدوره أدى إلى السرعة والدقة في اتخاذ القرار وسهولة نقل المعلومات في المؤسسة وبين المؤسسات المختلفة. مشاريع الحكومة الالكترونية تُحتم على المؤسسات الحكومية إعادة هندسة ما تقوم به من أعمال داخل المؤسسة نفسها أولا من ثم تنسيق الجهود والتواصل مع المؤسسات الاخرى لإعادة هندسة الاعمال المشتركة فيما بينها. وتؤكد الدراسة التي أعدها الاتحاد الاوروبي عن وضع الحكومة الالكترونية في اوروبا، أن الحكومة الالكترونية أصبحت جزء من الواقع والذي لايختلف على أهميته أثنان، وركًز التقرير على أهمية التخلص من البيروقراطية التي تواجه القطاع الخاص في أوروبا والتركيز على الاستثمار في إعادة هندسة الأعمال في القطاع العام وإعادة تدريب القائمين على مشاريع الحكومة الالكترونية. سيتناول هذا المقال مفهوم وأساسيات إعادة هندسة الأعمال في ظل التكامل المطلوب بين المؤسسات المختلفة للوصول الى المساهمة الفاعلة في مشاريع الحكومة الالكترونية.
مفهوم إعادة هندسة الاعمال
مفهوم إعادة هندسة الاعمال بدأ بالتركيز على تطوير اساليب العمل في المؤسسات والتي تتضمن إعادة التصميم الجذري لاساليب العمل لتحقيق التحسينات المطلوبة في معايير الآداء مثل خدمات أفضل وجودة أعلى والسرعة في تقديم الخدمات بتكلفة أقل. وبالرغم من أهمية إعادة هندسة الاعمال داخل المؤسسات، فإن مشاريع الحكومة الالكترونية تستدعي إعادة هندسة الاعمال في المؤسسات وفيما بينها من جانب وبين المؤسسات والمواطن من جانب آخر. لذا فإن أفضل تعريف لإعادة هندسة الأعمال لمشاريع الحكومة الالكترونية هو كما عرًفه تشامبي، في كتابه ( X-ENGINEERING THE CORPORATION )، " أستخدام التقنية كوسيلة مساعدة لتطوير أساليب العمل ولربط المؤسسات فيما بينها وربط المؤسسات مع زبائنها لتحقيق تحسينات فائقة في معايير الآداء ولتحقيق الفائدة للجميع سواء المواطن، والموظف والمؤسسات". لذلك فإن تطبيق الحكومة الالكترونية يعتبر نقلة جذرية لتطوير أساليب العمل في المؤسسات، يتطلب إعادة هندسة الاعمال داخل المؤسسات وفيما بينها اولا وأستخدام تقنية المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات بشكل أفضل وأسرع وأدق.
أساسيات إعادة هندسة الاعمال
يكمن نجاح إعادة هندسة الاعمال برغبة القائمين على المؤسسة بتغيير أساليب أعمالها التقليدية. ويشمل ذلك إضفاء الشفافية على أساليب العمل والتخلي عن مبدأ الحماية والدفاع عن أساليب العمل التقليدية، وأن يكون لدى المؤسسة الرؤية المطلوبة والمتوافقة مع الاستراتيجية العامة للدولة لتكون جزء من المنظومة الحكومية التي تتبنى استخدام تقنية المعلومات والاتصالات لتطوير أساليب العمل وتقديم خدمات أفضل، على أن يكون هذا التوجه شاملا جميع المستويات الإدارية في المؤسسة. فالموظف القائم على تنفيذ الاعمال يتحتم عليه مواكبة التغيير وان يكون عامل تسهيل لعملية التغيير، ومطالب بأن يتأقلم مع المتغيرات والتي تبدأ بتغيير طريقة عمله التقليدية وتبنًيه ومساهمته الإيجابية لإعادة هندسة الاعمال التي يقوم بها وأستخدام التقنية لإنجاز هذه الاعمال من ثم المثابرة في عملية التطوير والاهتمام بالتأهيل الذي يُعتبر من سمات الانتقال الى المجتمع الرقمي. فموظفي القرن الواحد والعشرين، كما يسميهم بيتر دروكر "تقنيي المعرفة" ( Knowledge Technologists ) ، مطالبون بإستغلال المعرفة والتقنية لتأدية أعمالهم والإستمرار في تحصيل المعرفة لمواكبة التطور والتحديث في أساليب العمل وأعتماد التغيير كفرصة لتطوير القدرات بدلا من النظر اليه كتهديد لما تم إنجازه من أعمال وما تم تحصيله من معرفة وخبرة.
ويضطلع القادة في هذه المؤسسات بدور ريادي لقيادة التغيير في مؤسساتهم والتأكيد على تبني إعادة هندسة الاعمال والمساهمة في إيجاد بيئة إيجابية لإعادة هندسة الأعمال مع المؤسسات الاخرى. ويكفي المؤسسات الحكومية في سلطنة عُمان فخرا ان تسترشد بالنطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم في خطابه السامي في 18 نوفمبر 1997 والذي قال فيه حفظه الله "إن تطوير التشريعات وإضفاء المرونة على تنفيذ احكامها ومعالجة المشكلات التي يُظهرها التطبيق العملي لها، من شأنه أن يساعد المؤسسات كثيرا على ان تؤدي دورها في تنشيط الاقتصاد الوطني وتشجيع العاملين فيه على ممارسة أعمالهم في يسر ودون تعقيدات إدارية لاداعي لها ولاطائل من ورائها. لذلك فإن واجب الجهات الحكومية المختصة أن تضع هذا الامر في مقدمة اولوياتها". وتؤكد البحوث في مجال تطبيق وانتشار الافكار المُبتكرة ومن ضمنها تطبيق تقنية المعلومات ومشاريع الحكومة الالكترونية أن نجاح هذه المشاريع تستدعي دعم الإدارة العليا لها. ولا تختلف مشاريع إعادة هندسة الاعمال للحكومة الالكترونية والتي لن ترى النور بدون الرغبة الاكيدة لتنفيذها والدعم المتواصل لضمان نجاحها من قبل الإدارة العليا في هذه المؤسسات.
فبالإضافة الى الدعم اللامحدود المطلوب من القيادات العليا في المؤسسات الحكومية بكل مستوياتها، فإن التعاون بين المؤسسات الحكومية يُعتبر أحد ركائز إعادة هندسة الأعمال لمشاريع الحكومة الالكترونية. حيث تتطلب إعادة هندسة الأعمال جهودا كبيرة من قبل المؤسسات لوضع التكامل مع المؤسسات الأخرى ضمن اولويات عملها لتحقيق الهدف المرجو من إعادة هندسة الاعمال وهو تركيز تقديم الخدمات حول المواطن. لذا فإن الهدف من إعادة هندسة الاعمال لايقتصر على السعي لتسهيل الطريقة في تأدية أعمال المؤسسات وإنجازها بطريقة أفضل، وهذا بطبيعة الحال مطلوب وأساسي، وإنما يتعدى ذلك الى المساهمة مع المؤسسات الاخرى لتحقيق المصلحة العامة من هذا المشروع وهو تقديم خدمات افضل للمواطن من خلال الإشتراك في المعلومات وتوحيد القنوات التي من خلالها تُنجز المعاملات وتؤدى الخدمات. فمواطن القرن الواحد والعشرين يتوقع التواصل مع حكومته بشتى الوسائل المُتاحة والتي تشمل الانترنت، الهاتف والفاكس او وجه لوجه ومن أي مكان وفي الوقت الذي يناسبه. ولايهم المواطن المؤسسة التي تقدم الخدمة وإنما يكون جل اهتمامه هو الحصول على الخدمة من موقع واحد وبسهولة ويسر.
ونظرا لتقارب أساليب العمل في كثير من المؤسسات الحكومية فإن أستحداث أساليب عمل متميزة يتم تعميمها على جميع المؤسسات سيكون له الاثر الفعًال في توحيد أساليب العمل ونشر الوعي المطلوب في جميع المؤسسات لتحقيق الجاهزية الإدارية والتكامل المطلوب لربط المؤسسات عبر الانظمة عند تطبيق الحكومة الالكترونية. فمؤسسات الخدمة المدنية في السلطنة مثلا يحكمها قانون الخدمة المدنية وتم تصميم النظام المالي الموحد ونظام الموارد البشرية لتوحيد الإجراءات الإدارية في هذه المؤسسات، لذا فإن السعي لتوحيد جهود المؤسسات التي تُعنى بتقديم خدمات معينة ، والسعي الى إعادة هندسة الأعمال لها، سيكون له الأثر الإيجابي في الرقي بهذه الخدمات وتقديمها بالشكل المطلوب. وقد ركًزت حكومات المملكة المتحدة، سنغافورة، كندا والولايات المتحدة، والتي تُعتبر في مقدمة الدول التي شرعت في تطبيق مشاريع الحكومة الالكتروية، على إعادة هندسة الاعمال الحكومية وذلك بدمج جهود مؤسسات مختلفة مسؤولة عن تقديم خدمة ما فيما يسمى بالمحطة الواحدة، حيث يقوم المواطن بزيارة موقع واحد لانجاز المعاملة سواء بزيارة إحدى المؤسسات او بزيارة البوابة الحكومية على الانترنت. وبما أن الجهود تُبذل في السلطنة للأنتقال الى المجتمع الرقمي بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى فإن المختصين في الإشراف على هذا المشروع مطالبون بتوحيد الجهود لتحقيق الهدف المرجو من توحيد أساليب العمل وبناء القدرات في المؤسسات الحكومية. فعلى سبيل المثال جميع المؤسسات الحكومية بحاجة الى إعداد خطط لامن المعلومات وأخرى لمنع الكوارث وإعداد أنظمة كنظام الدفع الآلي في المواقع الحكومية لذا فإن توحيد الجهود سيحد من الاجتهادات وسيساعد على توفير الجهد والوقت والمال بالاضافة الى تحقيق اهداف اخرى في تطبيق الحكومة الالكترونية وهو توحيد المعايير والمواصفات. وستساعد المشاريع الموحدة في تسهيل عملية التواصل بين المؤسسات وسد الفجوة الرقمية بين المؤسسات الحكومية وتوفير الخبرات لجميع المؤسسات والاهتمام ببناء القدرات كجزء من الأستراتيجية الحكومية الموحدة التي تسعى الى إيجاد بيئة مساعدة لعملية الانتقال الى المجتمع الرقمي. ويعتبر مشروع المحطة الواحدة لإصدار الرخص التجارية، والذي تستضيفه وزارة التجارة والصناعة في الوقت الحاضر، إحدى المبادرات التي نتمنى ان تتضافر الجهود لإنجاحها وأن تتكرر مثل هذه المبادرات بين المؤسسات التي تشترك في تقديم خدمات للمواطن والتي بحاجة للتواصل مع بعضها البعض لإنجاز اعمالها.
ولن يتأتى لمثل هذه المبادرات النجاح المطلوب إلا بإيجاد قوانين فاعلة وداعمة تقوم بتنفيذها جميع المؤسسات والهيئات الحكومية المختلفة. وتؤكد تجارب تطبيق تقنية المعلومات في المؤسسات الحكومية والبحوث والدراسات ان المؤسسات بجميع انواعها عامة او خاصة وبجميع احجامها تتفاوت في عمليات تقبل التغيير في أساليب العمل والذي يشمل إعادة هندسة الأعمال وإدخال تطبيقات تقنية المعلومات، فبينما نجد أن هناك مؤسسات حكومية تسعى لتبني ماهو جديد لتطوير أساليب العمل سواء بإعادة هندسة الاعمال وتسخير التقنيات الحديثة للرقي بخدماتها نجد في المقابل ان هناك مؤسسات لاتعي مدى التخلف التي وصلت اليه مقارنة بالموجود على أرض الواقع، ولن يظهر هذا للعيان الا عندما تكون هذه المؤسسات عاجزة عن الانضمام لمنظومة المؤسسات التي ستقدم خدماتها من خلال تطبيقات ومشاريع الحكومة الالكترونية. لذلك فلا بد من الاهتمام بوضع القوانين والانظمة التي تساعد المؤسسات على الانضمام للركب وتبني إعادة هندسة الأعمال كنقطة أساسية في المساهمة في الجهود المبذولة في مشاريع الحكومة الالكترونية في بيئة متغيرة غنية بالمعلومات ومعتمدة أعتماد تاما على المعرفة. وكلما كانت هذه القوانين مُلزمة يكون الاهتمام بها وبتنفيذها أكبر وأشمل. ويعتبر النظام المالي الموحد لوزارات الخدمة المدنية في السلطنة نموذج لهذه الاستراتيجية والتي نعتقد أنها ناجحة، حيث يتطلب من جميع المؤسسات أستخدام هذا النظام لإنجاز جميع المعاملات مع وزارة المالية. فبالإضافة الى الجانب الإلزامي والذي تتكفل به القوانين والتشريعات ، فلابد من تفعيل نظام الحوافز لتشجيع عملية التطبيق والانتشار لمشاريع إعادة هندسة الاعمال واستخدام التقنيات الحديثة. حيث تُعتبر الحوافز احدى أساليب الإدارة الحديثة ويمكن الأعتماد عليها كأداة لإيجاد بيئة تنافسية للرُقي بمستوى الآداء في إعادة هندسة الأعمال.
في الختام، يعتبر موضوع إعادة هندسة الاعمال واسع ومتشعب وسيكون بمثابة المحرك لتحقيق تقدم ملموس في الجهود المبذولة لتحقيق تقدم في مشاريع الحكومة الالكترونية. ومن المهم أن نبدأ بأنفسنا وبأعمالنا، حيث يؤكد تشامبي "أن الطريقة الوحيدة لإعادة الهندسة تبدأ بإعادة هندسة الإدارة أي بإعادة هندسة أنفسنا." فكلنا مسؤول وله دور يضطلع به فلابد من تأدية هذا الدور بما يخدم المصلحة العامة وهو خدمة المواطن ومساعدة المؤسسات في آداء " دورها في تنشيط الاقتصاد الوطني وتشجيع العاملين فيه على ممارسة أعمالهم في يسر ودون تعقيدات إدارية لا داعي لها ولا طائل من ورائها . " وتتركز إعادة هندسة الاعمال بالتركيز على إنجاز الاعمال بأقل عدد من المؤسسات وأقل عدد من الموظفين والاهتمام بتغيير الثقافة، في المؤسسات وفيما بينها، من العمل الإنفرادي الى العمل الجماعي وتأكيد مبدأ الفريق الواحد لإنجاز الأعمال.